شكّل موضوع ترسيم الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلّة واحدة من قضايا الضّغط من قبل قوى الاستكبار العالمي، ليتنازل لبنان عن حقّه في أماكن بحرية خصوصًا لصالح كيان العدوّ الذي يريد الاستيلاء على مقدّرات البلد النفطيّة المفترضة.
قبل أيّام طُرح اتّفاق الإطار للتفاوُض غير المباشر مع العدوّ، برعاية الأمم المتّحدة، وذلك لترسيم الحدود، وقد شكّلت مادّة للجدل وتبادل الاتّهامات؛ بين من يراها تطبيعًا أو مقدّمة له، وبين من يراها تنازلًا على قاعدة أهون الشّرين بين العقوبات بعنوان الفساد وبين الترسيم مع العدوّ، وبين من وجدها تُهمة للمقاومة التي باتت وكأنّها تفاوضُ على مواقعها، وبين من يراها جزءًا من مسارٍ يمكن أن تتحقّق فيه انتصارات إضافيّة للخطّ الجهادي المقاوِم.
ونحن لا نريد الدخول على خطّ هذا الجدل، بقدر ما نريد رسم حدود الموضوع من زاوية المبادئ التي نحتكم إليها وشكّلت على مدى عقود خطاب الجهاد والمقاومة للعدوّ الصهيوني.
أوّلًا: الرؤية والمبادئ الثابتة
قضيّة احتلال فلسطين نراها في ثلاثة تجلّيات يشكّل كلٌّ منها مبدأً ثابتًا لا تفاوض حوله:
أ- هي قضية ظلمٍ لشعبٍ طُرد من أرضه ويجب أن يعود إليها، ولأرضٍ احتُلّت بغير وجه حقٍ ويجب أن يُزال الاحتلال لها، وقضية كيان غاصبٍ يجب أن يزول، وقضيّة شتات اجتمعوا كمحتلّين ويجب أن يعودوا من حيثُ أتوا. هذا المبدأ مرتبط بقضايا إيمانيّة ثابتة، وهي حرمة الاغتصاب وعدم ضياع الحقّ بتقادم الزمن، ووجوب إنكار المنكر ونصرة المستضعفين؛ وبالتالي لا يجتمع إيمان الإنسان المسلم مع إعطاء شرعية لهذا الكيان وكلّ مندرجاته وآثاره.
ب – هي قضيّة نظام عالمي، وذلك لأنّ الكيان ما كان ليقوم لولا دعم الاستكبار العالمي المتمثّل بمجموعة من الدّول الكبرى والتي عملت عند زرع الكيان على إفقاد كلّ المحيط العربي والإسلامي عناصر القوّة، وعلى تغطية جرائم الكيان في أروقة الأمم المتّحدة، واستخدام الفيتو في مجلس الأمن حيث يلزم لمنع الإدانة، إضافة إلى توظيف حكومات قامت على قهر إرادة الشّعوب، ناهيك عن ضرب أي موقع من مواقع القوّة، سواء كان حركة جهاديّة أو دولة إذا ما اتّجهت نحو تحرير الأرض.
ج – استنادًا إلى أنّ جُلَّ أزمات دول المنطقة وشعوبها بدأت على ضفاف احتلال فلسطين، ونشر الضّعف العربي والإسلامي كان جزءًا من عمليّة تثبيت الكيان، يتحوّل تحرير فلسطين إلى قضيّة استقلال حقيقي لكلّ دول المنطقة، وهو يحقّق إرادة الشّعوب، وهو ما يؤسّس لنهوض حقيقيّ يفرض نفسه في عملية بناء القوّة في مقابل السياسة كما في الاقتصاد والاجتماع والأمن وغير ذلك، ممّا يحرّكه الاستكبار العالمي تحت منطق الضّعف.
انطلاقًا من ذلك، تعتبر قضيّة تحرير فلسطين قضيّة مبدأ إسلامي إيماني راسخ، وأي اعترافٍ بشرعية الكيان الصهيوني يخرج المعترِف من دائرة الإيمان على قاعدة أنّ إنكار المنكر بالقلب “أضعف الإيمان” كما ورد في الحديث. كذلك هي قضيّة مبدأ إنساني عالمي، مرتبط بنوعيّة النظام العالمي الذي نريد: هل الحقّ فوق القوّة أو القوّة فوق الحقّ؟ وهي قضيّة مصلحيّة وجوديّة لها ارتباط بأن نكون أو لا نكون دولًا وجماعات بهويّة استقلاليّة وإرادة حرّة.
ثانيًا: الإشكاليّة في الترسيم
العمل جارٍ في المنطقة على التطبيع منذ زرع الكيان الصهيوني في المنطقة، ويُعمل لأجل ذلك بطرق مباشرة وغير مباشرة؛ ففي حين شكّل توقيع اتّفاقيّات “سلام” مع العدوّ مع بعض الدّول العربية طريقًا مباشرًا للتطبيع، فإنّ الإعلام والتغيير الثقافي هو جزءٌ من الطرق غير المباشرة، والتي تطوّرت إلى حدّ هائلٍ في القرنين الماضي والحالي. كما أنّ الضّغوط الاقتصاديّة والسياسيّة التي تُمارَس على بلادٍ عربيّة تقع في خطّ المقاومة والمواجهة للعدوّ هي واحدة من الأساليب التي تسعى إلى كسر الإرادة والرضوخ بشكل تدريجي، عبر الدّخول في مفاوضات غير مباشرة على ترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين، وهذا ما يفتح على اعتراف يمكن أن يتحوّل إلى تطبيع.
وهذه المفاوضات غير المباشرة ليست جديدة على حركات المقاومة؛ فالمفاوضات غير المباشرة على تبادل الأسرى في سجون العدوّ مع جنود صهاينة أحياء أو قتلى، حصل في الماضي، وسجّلت فيه المقاومة نصرًا إضافيًا على العدوّ إلى جانب النصر الميداني.
لكنَّ ما استجدّ هو السياق العامّ الجاري في المنطقة، بحيث تمّ الربط – في اللاوعي ربّما – بين عملية المفاوضات غير المباشرة وبين تغيّرات كبيرة في المواقف المعلنة من بعض الدول العربية، إضافة إلى عمليّات تشويه صورة المقاومات وتحميلها مسؤوليّة تردّي الأوضاع الاقتصادية الداخلية في بلدانها، والانقسام العمودي الحاصل فيها، والقائم على خرق محرّمات في الخطاب فيما يرتبط بالمقاومة ورموزها، والعدوّ والصّديق، وتحويل المقاومة والعمالة من قضايا مجمع عليها (نظريًا) إلى وجهة نظر يمكن للجدل أن يثور حولها.
طبعًا عندما نتحدّث عن مفاوضات مع العدوّ، فهناك خطاب موجّه لهذا العدوّ ولو بشكل غير مباشر، وهو ما قد يُعدّ اعترافًا له، كما أنّ التفاوض نفسه يُمكن أن يجعل هذا العدوّ يبدو وكأنّه صاحبُ حقٍّ في الأرض، في الوقت الذي تحدّد فيه الرؤية السّابقة غير ذلك؛ لأنّ أصحاب الحقّ في الأرض هم الفلسطينيّون، وهذا الكيان غير معترف به ولا بسلطته.
إذا تمّ تحديد الموضوع والظروف، فالسؤال: كيف يمكن الجمع بين السياسة الإسلامية الخاضعة لمبادئ الحقّ والعدل والقوّة، والتي قام فكر المقاومة وروحها على أساسها، وبين القبول أو السكوت على المفاوضات ولو غير المباشرة على ترسيم حدود، مع عدوّ لا ينبغي الاعتراف بعلاقته بالأرض أصلًا؟!
هنا ينبغي رسم خطوط واضحة مقدّمةً للجواب:
أوّلًا: السياسة في الإسلام
ثمّة فهم خاطئ للسياسة الإسلامية، فهي مبدئيّة بلا شكّ، ولكنّ مبادئها ليست معلّقة في الفضاء، وإنّما تتحرّك على الأرض والواقع، وبالتالي تأخذ من تعقيدات القضايا والمواقف وتلاحظ الظروف والمتغيّرات، وبالتالي الخيارات المتاحة أمامها. وهذه الخيارات تفرض تنوّعًا في الموقف الإسلاميّ تجاهها، فقد تفرض المواجهة وتحمّل الخسائر، وقد تفرض تجميد المواجهة مرحليًا، وقد تفرض التعليق على موقفٍ ما وقد تتطلّب السكوت، وقد تقديم بعض التنازلات الشكلية التي لا تمسّ الجوهر، وقد تتطلّب التأكيد على المبادئ حتّى لو أدّى الأمر إلى جراحة موضعيّة.
هذا الأمر كلّه خاضعٌ للرؤية التي تمثّل الاستراتيجيّة الثابتة للقضية، وكلّ ذلك يعبّر عن تكتيكات وخيارات ظرفيّة تفرضها طبيعة الواقع وموازين القوى والخيارات المتاحة. نعم، هنا تلعبُ قوى الإعلام المضادّ دورًا في محاولة تظهير الموقف على أنّه موقفُ ضعفٍ بهدف إحباط الجماهير، أو موقف نفاق يتمّ فيه الإعلان عن شيء وإضمار شيء آخر، كلُّ ذلك بهدف كي الوعي الذي يحيط القضيّة ويشكّل حاضنة جماهيرية للقضيّة.
يمكننا أن نلمح شاهدًا على هذا اللون من الجمع بين المبدأ والواقعيّة في قوله تعالى: (يا أيّها الذين آمنوا إذا لقيتُمُ الّذين كفروا زحفًا فلا تولّوهُمُ الأدبار ومن يولِّهِمْ يومئذٍ دُبُرَهُ إلّا متحرّفًا لقتالٍ أو متحيّزًا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنَّمُ وبئس المصير)[1]؛ إنّ الاستراتيجية هي عدم الفرار من أيّ معركة، مهما كان حجم العدوّ، والله يتوعّد على هذا الفرار، ولكنّه الفرار التامّ، وليس الانسحاب التكتيكي الذي يلاحظ الظروف الموضوعية التي لا تسمح باستمرار المواجهة، التي ستشبه حالة الانتحار، وذلك لتحصين الموقف والعمل على تغيير الظروف من أجل استعادة زمام المبادرة والمواجهة.
ينبغي أن يكون معلومًا هنا أنّ القوى المستكبرة لا ترتاح أصلًا لهذا النوع من السياسة التي تجمع بين المبدأ والواقعيّة؛ إذ ما يريده البعض من السياسة الإسلامية هي أن تتحرك على قاعدة الانقطاع عن الواقع والتعمّق في ما يجري، هذه السياسة التي يسهل استخدامها على طريقة الشرط والنتيجة، بحيث يتحرّك المبدأ ليعبّر عن نفسه بأسلوب واحد، وموقفٍ واحد، وهذا ما يتيح للاعبين المخفيّين أن يحرّكوا الشروط والشعارات، ليتحرّك الموقفُ على الأرض بالطريقة المرسومة التي تهيّئ الأرض لخطط موضوعة سلفًا، ولا يدركها هؤلاء نتيجة سطحيّتهم.
فعلَ ذلك الخوارج مع الإمام عليّ (ع) في صفّين، وقد كانت الحرب لإعادة الشرعية وإنهاء حالة الانشقاق السياسي عن الكيان الإسلامي، ولكنّهم انساقوا – بسطحيّتهم أمام شعار “لا حكم إلّا لله” ومنحوا معاوية فرصة الالتفاف وتعطيل مفاعيل المعركة، وهو ما ألقى بظلاله على ما تبقّى من حكم عليّ (ع) وكذلك فرض نفسه على موقف الإمام الحسن (ع) في فرض التنازل عليه، وصولًا إلى فرض المواجهة على الحسين (ع) في كربلاء…
ثانيًا: السياسة بين الاستراتيجية والتكتيك
إنّ من مجانبة الواقع إنكار التحدّيات التي تواجه المقاومة في أكثر من موقع، والحصار المباشر وغير المباشر الذي تخضع له، على الرغم من التحوّل النوعي في وجودها وإمكاناتها الوسائليّة. إنّ بعض هذه التحدّيات كان الفتن البلاد التي عمّت الإسلامية والعربية، واختلاف رؤى الحركات الإسلامية في مقاربة الواقع، والتي بعضها يتحرّك في طريقة واحدة وأسلوبٍ فارد، وبعضها رأى أنّ الواقعيّة تبيح له التنازل عن القضيّة – ولو مرحليًا – إلى مستوى المزايدة على المطبّعين الذين كانت تعارضهم، وبعضها أخذ من الإسلام الاسم وهرول إلى التطبيع تحت عنوان حوار الأديان تارة، وإسقاطات مثل صلح الحديبية أخرى، إضافة إلى تشكيل أحلافٍ سياسية وعسكرية يكون فيها الكيان الصهيوني لاعبًا أساسيًا، بالمباشر أو عبر الحامية الأمريكية، واستبدال عداوات بأخرى، وشنّ حروب مدمّرة على دول تشكّل خزّانًا بشريًا للتحرير، والحصار المتنقّل، والتدمير الممنهج للبلاد التي تحتضن مقاومات انطلاقًا من قوى الداخل التي تمّت رعايتها وتمكينها من مفاصل الدّولة بشكل وبآخر..
كلُّ ذلك يجعل الإنسان المبدئيّ مضطرًا إلى نوعٍ من الحركة السياسية غير المسبوقة، ففي الوقت الذي تكون عينك على العدوّ، يجب أن تكون لك عينٌ على ظهرك، وعلى أطفالك الذين يبكون للحليب المقطوع عنهم، وعلى سرّاق السياسة والاقتصاد والأمن من بني الجلدة الذين يعملون على تعطيل أي فسحة للحلّ، أو لاستراحة مؤقّتة من الضغط، وعلى الفتنة الداخلية أن لا يجرّك كلُّ هؤلاء إليها، وما إلى ذلك، ممّا بات واضحًا أن الحلول الحاسمة فيه خطرة، و بحيث باتت المرحلة تفرض إمكانيًات في الميدان والسياسة أضيق من السّابق، وعدم النّظر إلى كلّ ذلك بعين الاعتبار يعني الانقطاع عن الواقع، وقد يؤدّي إلى الهزيمة المطلقة؛ وهذا ما يريده العدوّ.
ثالثًا: التفاوض غير المباشر إدارة حرب لا سلام!
وعلى هذا الأساس، فإنّ التفاوض غير المباشر مع العدوّ ليس تطبيعًا ولا اعترافًا سياسيًا بالكيان الصهيوني وحقّه في الأرض، عندما يتحرّك هذا التفاوض على قاعدة عدم الاعتراف بشرعية العدوّ، بل هو جزء من حرب التحرير الكبرى؛ لأنّه يعمل على أن يفرض على العدوّ الاعتراف بالحقّ في الأرض، التي ستقتطع حكمًا من تحت سيطرته الاحتلاليّة، وسيُخلع عنه أيّ غطاءٍ دوليّ تجاهها، وسيُقالُ له بعد ذلك إنّ يدك التي كانت تريد أن تسرقها إن امتدّت إليها فستقطع، ولن يملك العالَم أن يعترض على ذلك.
هذا يمكن اعتباره نصرًا جديدًا يتحرّك في الواقع، ويُرسم على الأرض وفي البحر، وهو جزءٌ من تمتين كلّ الانتصارات التي تحقّقت سابقًا في خطى التحرير الكبير، وهو نصرٌ يفرضه الواقع، وليس الخطابات الرنّانة التي كانت تخفي الذلّ والخنوع ممّا شاهدناه عندما سقطت أكثر من ورقة توت.
إنّ استعادة الحقوق هو جزءٌ من إدارة الحرب، وليس السّلم، والأساليب التي يفرضها الواقع، حتّى عندما يكون انحناءً للعاصفة وتفلّتًا من بعض الضغوط الواقعيّة، هي أسلحة إضافيّة قد تفعل فعل القذيفة والصّاروخ الذكيّ في حركة الميدان وأكثر.
حصل التفاوُض مع العدوّ الصهيوني في تفاهم نيسان، وفي ملفّ الأسرى، ولم يكن إلّا جزءًا من إدارة الحرب، وكان تعبيرًا عن القوّة وليس الضّعف، ولذلك في الوقت الذي لم تكن الآلة الإعلامية المعادية تعمل على إظهاره على أنّه تراجعٌ أو هزيمة، كان الحفاظ على الخط الاستراتيجي المبدئي في حركة التفاوض، ينبئ بالتجربة والوقائع أنّنا أمام هزيمة إضافية للعدوّ الذي كان لا يعير اهتمامًا بالإنسان العربي، إلى إجباره على أخذ ذلك بعين الاعتبار.
نعم، كان فرض هذا المسار الكثير من عناصر الدقّة، في الشكل، وفي التعبير، وفي المفردات، وفي الاستمرار في العمل لبناء القوّة، وفي حركة الميدان الجهادي والمقاوم ضمن ما هو ممكن ومتاح، كلُّ ذلك شكّل مناخًا لكي لا يأكل التكتيك خطّ الاستراتيجية؛ ولذلك تحوّل “تفاهم نيسان” إلى قوّة تحرير إضافية عبر تحصيل الاعتراف الدّولي بحقّ المقاومة واقعيًا، ليتحقّق في النهاية تحرير الجنوب اللبناني في عام 2000، وعلى الرغم من التنازل العربي الذي جعل في اجتماع القمة العربية في بيروت في عام 2002 “الأرض مقابل السَّلام”، بقيت المقاومة واقعيًا وميدانًا غير معنيّة بذلك، واستمرّت في عملية بناء القوّة بما ظهر في عام 2006..
رابعًا: مواقف ضروريّة
يحتاج كلُّ ذلك إلى مجموعة من المواقف التي يجب الحرص عليها لكي تُسدّ كلّ المنافذ التي سيعمل العدوّ على استغلالها للالتفات ولكيّ الوعي:
أ- الاستمرار في بناء المقاومة لأدوات القوة وعناصرها، والتي لا تقتصر على القوّة العسكريّة بل تعمّ القوة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، في طريق العمل على تغيير الظروف من ظروف معيقة إلى ظروف مؤاتية. هنا تبدو مسألة توزّع الأدوار مع قوى المجتمع المتنوّعة أمرًا ضروريًا؛ إذ خيارات الأطر الحزبية والحركية ضيّقة أمام حركة المجتمع الأكثر تفلّتًا من القيود.
ب – إذا كان جزءٌ ممّا نعانيه من أزمات كانت نتيجة تقصير في إدارة المخاطر في السابق، فإنّ التقصير السّابق لا يفرض الانسحاب والتسليم لعقدة الذنب، ولا ينبغي لكلّ القوى الشعبية الداعمة للقضية أن تنساق وراء هذا اللون من الجمود عند الماضي؛ لأنّها بذلك تصبح جزءًا من الضغط الذي يمارسه أعداء القضية.
ج – ممّا لا شكّ فيه أنّ الإعلام، ووسائل التواصل بخاصة، سيسعى من خلالهما العدوّ إلى أسقاط الواقع النفسي الممانع للتطبيع من نفوس المجتمع، وهو ما يمكن أن يمارسه في مواكبة معركة ترسيم الحدود، وهو ما يحتاج إلى شحن نفسي وفكري مضادّ، يؤكّد على القضيّة، ويزيل كلّ شبهة، ويوضح كلّ خطوة، وهو ما يجب أن تقوم به مستويات متعدّدة من القيادات، وليس القيادة العليا فقط.
د – إنّ من الضروري للذين يلون أمر المفاوضات أن يقاربوا المفاهيم بدقّة: المصطلحات هنا قاتلة، وإذا كانت ثمة ضرورات تفرض كتابتها، فإنّه لا داعي لقراءتها على الملأ، بما يمكّن من اللعب عليها إعلاميًا وسياسيًا. كذلك فإنّ ما ليس ضروريًا من الاجتماعات واللقاءات والتصريحات لا يُلجأ إليه.
هـ – وضع السيناريوهات المختلفة للمسار التفاوضي للحصول على الحقوق، وذلك لا يكون إلّا بالبناء على ورقة القوّة التي جعلت العدوّ يحسبُ حساباته على أساسها، وهي ورقة المقاومة، التي إذا كان تسلّحها ضروريًا في تحرير الأرض المعترف به دوليًا، فإنّ تسلّحها الإضافي يصبح أكثر من ضرورة في زمن الصراع على مصادر الطاقة، وسرقة ثروات الشّعوب الحاصلة تحت غطاء السياسات الدولية، والتي لا تعطي الحقوق إلّا للأقوياء؛ والله من وراء القصد.
السيد د. جعفر فضل الله
بيروت 18 صفر 1442هـ
الموافق لـ 6-10-2020م
[1] سورة الأنفال: 15-16.