السيد د. جعفر فضل الله

حاوره: إحدى الطَّالبات الجامعيَّات

المرأة المحجَّبة أبدعت في كلِّ الميادين والحجاب لم يشكِّل عائقاً

فيما يلي مجموعة من الأسئلة وجَّهتها إحدى الطَّالبات الجامعيَّات، في مجال إعدادها لبحثٍ جامعيّ، إلى سماحة السيِّد جعفر فضل الله، تناولت فيها موضوع الحجاب وسبب وجوبه، ومكانه من التطوّر…

سبب وجوب الحجاب

س: ما هو السَّبب وراء وجوب الحجاب في الإسلام على المرأة؟

ج: كلّ المجتمعات والشعوب متّفقون إجمالاً على اللّباس، ولكلّ شعبٍ عاداتٌ وتقاليد في طريقة اللّباس، وحجم الستر الّذي يُستَر به جسد المرأة وجسد الرّجال أيضاً. واللّباس إجمالاً يستند إلى رؤية وفلسفة؛ لأنّه ليس سترًا فقط، وإنّما يعطي دلالاتٍ غير مباشرة أيضًا، فمن يلبس ثوبًا بألوان سوداء، فهو يرسل رسالةً أنَّ قريبًا له أو عزيزًا قد توفّي، ومن يلبسُ ثوب العرس، فهو يبعث رسالة أنّه بصدد الزّواج، وكذلك الذي يلبس ثيابًا فاخرةً، يريد إرسال رسالة غير مباشرة أنّه ينتمي إلى طبقة الأغنياء، ومن لبس ثيابًا خشنة، فهو يرسل رسالةً أنّه من الفقراء أو أنّه من الزّاهدين، ومن يلبس ثيابًا مثيرةً، فهو يرسل رسالة إثارة للآخرين، ومن يلبس ثيابًا أنيقة، يجلب راحة للناظرين، وهكذا…

كما أنّ اللّباس وطبيعته وألوانه، كلّ ذلك قد ينعكس على روحيّة الإنسان ونفسيّته، فالثياب الضيّقة قد تشعر الإنسان بالضّيق، والثياب النّظيفة الحسنة المظهر توحي للإنسان بالثّقة بالنّفس…

وعلى هذا الأساس، فقد كان للإسلام فلسفة في إدارة العلاقات بين البشر، والّذين يتنوَّعون إلى ذكور وإناث، وللذّكورة خصوصيَّاتها، وللأنوثة خصوصيَّاتها، والأنوثة عمومًا تمتاز بالعنصر الجماليّ وعنصر الجذب الغريزي، وهذا ما اتَّفقت عليه كلّ الشعوب، ولذلك يُستخدَم جسد المرأة للكثير من الإعلانات المثيرة لجذب الأنظار، حتّى بات ذلك عنصر جذبٍ للمرأة أيضًا، وليس للرّجل فقط.

وتقوم فلسفة الإسلام على أنّ هناك ثلاثة دوائر للإنسان في المجتمع، وخصوصًا المرأة، للأسباب الّتي ذكرتُها قبل قليل؛ دائرة الزوجيّة، ودائرة العائلة، ودائرة المجتمع.

الدائرة الزوجيّة تسدّ الحاجة الغريزيّة بالدّرجة الأولى، ولذلك كان للإنسان الحرّية المطلقة في اللّباس وعدمه في هذه الدّائرة.

وأمَّا الدائرة العائليّة (القرابة الرّحميّة)، فوظيفتها الإشباع العاطفي لا الغريزي، ولذلك وضعت القيود على اللّباس الغريزي، ولكنَّها لم تفرض الحجاب فيه، وسمحت باللمس والتعبير العاطفي بين الأرحام؛ وهذا هو الذي يحقّق التوازن العاطفي الشعوري للإنسان..

أمّا دائرة المجتمع، فما يحتاجه من المرأة والرّجل، هو العمل والإنتاج وأظهار البُعد الإنسانيّ، ولذلك استُبعد فيه الجانب الغريزي، ووضعت قيود على التّعبير العاطفيّ باللّمس والعناق والتّقبيل وما إلى ذلك، حتّى يتحرك المجتمع في ذلك البُعد، فلا يعيش حالة طوارئ جنسيّة، أو يلغي القيود على التّعبيرات العاطفيّة التي قد تتحوَّل في لحظةٍ إلى حالة غريزية؛ لأنَّ البشر بشرٌ، وليسوا جميعاً على قدر عالٍ من التجرّد عن بشريّتهم وحاجاتها الغريزيّة والعاطفيّة. واستنادًا إلى ذلك، فرض الإسلام على المرأة اللّباس السّاتر لجسدها، والّذي لا يظهر مفاتنها الجماليّة، لكي تبرز إلى المجتمع كإنسانٍ لا كأنثى، وهذا ما يحفّزها للتّعبير عن إنسانيّتها بشكلٍ أفضل وأكثر راحةً، وينعكس إيجابًا على صورتها الّتي أصبحنا نجدها في وسائل الإعلام والإعلان عبارةً عن جسدٍ يستخدم بطريقة تسيء إلى إنسانيَّتها…

هل يتطوَّر الحجاب؟

س: العالم يتغيَّر، وكلّ شيءٍ في تطوّر، فالتّكنولوجيا الآن تسود في العالم. ما هو مكان الحجاب في هذا التطوّر، بمعنى هل هو قابل للتطوّر؟

ج: لا شكَّ في أنَّ العالم يشهد تطوّراتٍ كبيرة على المستوى التّقني، أمَّا على مستوى فلسفة الحرّيات الّتي تنعكس على طريقة اللّباس، فهي خاضعة للجدل بين الاتجاهات الدينية والفلسفية، وعلى كلّ حال، العالم كلّه متّفق على عدم العري، وإنما الفرق في قطع الثّياب التي يستر بها كلّ من الرّجل والمرأة جسده.

نعم، تطوّر شكل الحجاب في الإسلام، فأصبح هناك اهتمام بعناصر الأناقة والجماليّة غير الغريزيّة، وطبيعة التّصميمات، وهذا كلّه لكي يريح المرأة في حركتها في المجتمع، وهذا كلّه لا مانع منه؛ إذ ليس الحجاب في الإسلام مرادفًا للقبح أو لعدم الأناقة، فإنَّ “الله جميلٌ يحبّ الجمال ويكره البؤس والتّباؤس”، كما نشير إلى أنَّ الإسلام لم يفرض نمطًا محدَّدًا لشكل الحجاب وألوانه، وإنما ذلك مرتبط بالعادات والتّقاليد والأعراف الاجتماعيّة.

باختصار: التطوّر لا يلحق بالقيم، وإنما هي ثابتة، ولكنَّ التّعبير عنها قد يتطوّر؛ فإذا اعتبرنا طريقة البروز في الدّوائر التي أشرنا إليها في الجواب السّابق هي القيمة، فإنّه ليس ما يمنع من تطوير التّعبير عنها، فإذا كان اللّباس ساترًا لما يجب ستره، وكان لا يحكي مفاتن الجسد للمرأة، فهذه هي القيمة الثّابتة، أمّا طريقة اللّباس ضمن هذه الحدود، فليس هناك ما يمنع من تطوّر التّعبير عنها تبعًا لتطوّر الزمان.

بين الحجاب والجمال

س: في حالات عديدة، يُستعمَل الحجاب لإبراز جمال المرأة وأنوثتها، فهل هذه الغاية تتوافق مع الشّرع أو هي حرام؟

ج: العنصر الجماليّ الطبيعيّ هو جزءٌ من هويّة الإنسان، والمشكلة هي في العنصر الغريزيّ، والحجاب يضع حدودًا للعنصر الثاني، ويبقي العنصر الأوّل إجمالًا في بعده الطبيعي. هذا مع الإشارة إلى أنّ العنصر الغريزي لا يقتصر على اللّباس، بل على التصرّفات وطريقة الكلام، فقد ورد في القرآن الكريم: {فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ}[الأحزاب: 32]، لأنَّ طريقة المشي والكلام قد ترسل رسالةً خاطئةً في هذا المجال.

كيف يتقبَّل الآخر الحجاب؟!

س: إذا أردت أن يتقبَّل الجميع الحجاب، الَّذين معه أو ضدّه، ما الّذي عليَّ أن أفعل؟

ج: العالم كلّه اليوم يؤمن بحرّية الفرد، وعليه ـ بالتّالي ـ أن يقبل الناس والجماعات كما هي، وأن لا يعيش تحت وطأة الصّور النّمطيّة التي تصنعها السياسات وتركّزها وسائل الإعلام، والّتي تربط بين الحجاب وتخلّف المرأة، أو بين الحجاب وعدم المساهمة في الحياة الاجتماعيّة، وأعتقد أنَّ من المهمّ جدًّا العمل على إبراز الصور الإيجابيّة للمرأة المحجّبة التي أصبحت مبدعةً في كلّ ميادين الحياة، وفي أعلى مستويات التخصّص العلمي والمهني والعملي، وفاقت الرّجال في كثيرٍ من الأوضاع، ولم يكن الحجاب عائقًا أمامها، كما لم يكن اللّباس عائقًا أمام أيّ امرأة من التقدّم.. ولو أردنا التوقف هنا قليلًا، فإنَّ حال المرأة المحجَّبة لا يفترق عن المرأة في المجتمعات الغربيّة في الفصول الباردة في السّنة، حيث تبرز المرأة كالمحجَّبة في طريقة لباسها حذرًا من البرد، فهل كان ذلك مانعًا لها وعائقًا أمام علمها وتعلّمها وتقدّمها؟!