السيد د. جعفر فضل الله

في ردّه على سؤال وجَّهه اليه أحد طلبة العلوم الدينيَّة، مفاده: كيف نتفاعل مع عاشوراء وحركة الامام الحسين(ع) في ظلّ الأوضاع الفكريّة والسياسيّة السّائدة، أجاب سماحة السيّد جعفر فضل الله:

“بالنّظر إلى مركزية القضية الحسينية في مسيرة الحركة الإسلاميّة، والتّأسيس للوعي الإسلاميّ، فإنّنا نودّ الحديث عن نقاط مهمّة ونحن في أيّام إحياء الذّكرى، ونبدأ من أنفسنا كطلاب علم دينيّ، حيث لا بدّ من العودة إلى استحضار القضيّة من مصادرها التاريخية الأساسية الأصيلة، والوصول من خلال ما تنقله إلى تكوين رأي في هذه الحادثة أو تلك، وأن نفهم ما يذكر أيضاً من خلال ما تمثّله ذهنيّة هذا المؤرّخ أو ذاك، وحتى نكوِّن أفكاراً علميّة حول عاشوراء، فلا ننسى أنّنا في موقع القيادة الّتي يجب أن تتحلّى بالنّقد والتّحليل.

لا محيص من فهم عاشوراء أيضاً على ضوء معادلات السنن التاريخيّة، وصولاً إلى فهم ما يجري حولنا من أحداث سياسيّة ودينيّة، فعاشوراء شكّلت منعطفاً محوريّاً في تاريخ الإسلام، ويمكن أن تشكّل أساساً لوعي حركة التاريخ وفهمها.

وهناك نقطة مهمّة أودّ الإشارة إليها، وهي التعاطي مع المجالس الحسينية من قبل قراء العزاء، والذين لا بدّ وأن يبرزوا العقيدة والشريعة الحقّة من خلال هذه المجالس، وهو ما يرتّب على القارئ للسّيرة أن يكون مثقّفاً واعياً، لا إنساناً ممتهناً للقراءة العزائيّة فحسب، فلا يعقل أن يقوم بعض القرّاء بتسطيح عقول النّاس، ونحن نعيش اليوم في عالم متسارع مليء بالإشكاليّات الكبيرة، فيما الخطاب قاصر عن مواكبة تطوّرات الحياة، في وقتٍ تحتاج الحياة إلى مواقف مشرِّفة ضمن أيّ صورة وتحت أيّ عنوان، فالكثير من الناس ملّوا الخطاب الّذي لا يجيب عن أسئلتهم، ويجعلهم قادرين على مواجهة التحدّيات، لذا نرى البعض ابتعد عن الدّين نتيجة الخطاب اللامسؤول.

فكم نسبة المنابر الواعية اليوم، والّتي أرادها الحسين(ع)؟ هناك ـ للأسف ـ كثير من المجالس التي تصرف عليها الأموال الطائلة، بينما النتائج المتوخّاة منها معدومة، قياساً بالمقدّرات المصروفة. والمؤسف أن يعتلي هذه المجالس طلاب علم مبتدئون، لا يملكون الوعي الكافي، ويركّزون فقط على الجانب العاطفي للذّكرى، ويتغافلون عن الجوانب الأخرى المهمّة. نحن لا نقول إنّ العاطفة ليست مهمّة، بل نقول إنها ضروريّة لبقاء القضيّة واستمرارها، ولكنّها ليست كلّ شيء، فهي كنقطة ماء الزّهر في الماء إذا أردنا التّشبيه، والماء هو المضمون الّذي يروي العطشى للمعرفة واكتساب الخبرة في مواجهة إشكاليّات الواقع والحياة.

كما نشير في هذا المقام إلى أهميّة تجذير المناسبة في وعي أجيال اليوم، وربطهم برموزهم الدينيّة بطريقة معقولة وعمليّة، عبر مشاركة العقول كلّها في كلّ الأطر التربويّة وغيرها، من أجل تفعيل الوسائل الّتي نستحضر بها الثّورة الحسينيّة، من أفلام وثائقيّة ومسرحيات وعروضات فنيّة وغير ذلك.

أخيراً وليس آخراً، فإنّ الثّورة الحسينيّة مدعاة للوحدة بين المسلمين جميعاً، وليست مناسبة للفتنة، لذا فالحرص على الوحدة ورفض الكلام الفتنويّ ضروريّ للمحافظة على أهمّ أهداف الحسين(ع)، الذي خرج لإصلاح الأمّة الإسلاميّة جمعاء”.