كلمة تأبينية للشيخ محمد علي التسخيري


بسم الله الرحمن الرحيم

والصَّلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين وصحبه المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

المنتدينَ الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

في البداية أقدّم أسمى آيات العزاء لذوي الراحل الكبير،

والمرجعيات الدينية،

وللجمهورية الإسلامية الإيرانية قائدًا وقيادة وشعبًا ومؤسسات،

والتعزية للحركات الإسلامية، والمنظمات الوحدوية،

رحمه الله وأسكنه فسيح جنّاته وثمّر جهاده صدقةً جارية عنه بإذنه إنّه سميع مجيب.

إذا أردنا إطلاق عنوان على شيخنا الفقيد لأطلقنا عليه عنوان “الوحدويّ الرّحالة”.

نعم، قد كان شيخنا التسخيريّ (ره) رحّالةً لأجل الوحدة الإسلامية، وللتقارب بين الأديان، لم يقعده عن العمل لها بساطةُ قاربٍ، أو أمواجٌ هوجاء، أو رياح عاتية، أو أغوارٌ عميقة؛ كما لم يقعده المرض الذي ألمّ بجسده فكان جهادُهُ الأكبر لأجل الوحدة، يمتزج بالجهاد الأكبر في مواجهة ثقل الجسد عن الحركة والانتقال..

لقد جمعت الشيخ الفقيد بالمرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله (ره) علاقة خاصّة ومميّزة، ملؤها الحبّ والصفاء، والتواضع والإخلاص، تقديرًا لشخصه وروحه وأخلاقه وحركته الدؤوبة في سبيل الفكر الإسلامي الأصيل، والحضاري المنفتح، والمادّ جسور الوحدة في كلّ صعيد.

ميزة هذا الجيل من العلماء – الذين ينتمي إليهم الشيخ الفقيد ره – أنّه لم يعمل للوحدة الإسلامية باعتبارها قضية مصلحيّة سياسية، أو قضيّة ظرفيّة، وإنّما هي بالنسبة إليهم قضية تنبع من التزامٍ بالإسلام، ولذلك كانت الوحدة له ولكل هذا الجيل الحركي دينًا يدينون به، لا يتنازلون عنها بسبب مواجهتها بالجهل أو بالتعصّب أو بالتطرّف وحتّى بالحرب والحصار؛ وهي في الوقت نفسه لا تعني تنازلهم عن انتائهم، بل هي ارتكازٌ إلى معنى العبوديّة لله، التي تفرض عليهم أن ينفتحوا على الحقّ إذا ما وجدوه عند الآخر، وأن يتنازلوا عن الباطل عندما يلتفتون إلى وجوده بين قناعاتهم.

وعلى أساس ذلك، كان الحوار بالنسبة إلى هذا الجيل، روحيّة وليس أداةً لتسجيل النقاط، هو مبدأ وليس خيارًا ظرفيًا، وهو قاعدة وليس مصلحة سياسية.

يُشهد للشيخ التسخيري سماحة قلبه الوحدويّ، ولذلك شهدتُهُ في أحد المؤتمرات في عام 2014، وهو يستمع إلى انتقادات حادّة، ويقابلها بالتأكيد على ثوابت الإيمان والروح والأخلاق ورضا الله، ودائًما بالكلمة الطيبة، والبسمة الحانية، والقلب الأخويّ..

لم يكن يدور في خلدي أنّ اللقاء الأخير الذي جمعني به في مؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلامية، سيكون الأخير، وهو الذي كان يعيش روحيّة الشباب، التي نستمدّ منها نحن – شباب الجسد – الكثير من العزم والقوّة.

وأختم هنا بالقول، أنّنا في حاجةٍ إلى إنزال الوحدة إلى المعاش، إلى الحياة اليومية، إلى اللقاءات العفويّة، إلى اهتمامات الشعوب وهمومها، وإلى المشاريع المشتركة التي تجعلنا نختبر الوحدة عمليًا، والأهمّ هو إعادة البوصلة لقضايانا، على قاعدة الإسلام الحيّ والحركي، وأوّلها فلسطين التي ذهبت ريحُنا عندما أضعنا طريقها؛

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

السيد د. جعفر فضل الله

—————————————-

الكلمة في ذكرى تأبين الشيخ محمد علي التسخيري الذي أقامته المستشارية الثقافية الإيرانية في بيروت، عبر تطبيق زوم؛ يوم الجمعة الواقع فيه 16 محرم 1442هـ/ الموافق لـ 4-9-2020م.