مخاطباً المسلمين في الغرب مسؤوليتكم كبيرة .. تضافروا في الجهود لتحصين ابنائكم


حوار: مع السيد د. جعفر فضل الله

حاوره: فاطمة خشّاب درويش

انطلاقاً من خصوصيّة المجتمعات الغربيّة الّتي تمتلك نظمها وقواعدها وجوّها العامّ، يتحدّث سماحة السيّد جعفر فضل الله في هذه المقابلة، عن التحدّيات الّتي يعيشها المسلمون في تلك البلاد الّتي تجذب إليها الكثيرين من مختلف الشّرائح الاجتماعيّة والعمريّة، ولأنَّ المشكلة الأكبر لدى المسلمين في الغرب تتمثَّل بالصِّراع مع أبنائهم حول الالتزام بالتّعاليم الإسلاميّة، وعدم الانسياق وراء ما تقدّمه هذه المجتمعات من مغريات للشّباب، كان هذا الحديث المعمّق حول كيفيّة الحدّ من المشاكل بين الأهل والابناء في الغرب.

تمتين العلاقة ضرورة

يؤكِّد السيِّد جعفر فضل الله ضرورة تمتين العلاقة بين الأهل والأبناء بشكلٍ عامّ، من أجل التّخفيف من الصّدامات والمشاكل بينهما، مشيراً إلى أنّ تمتين هذه العلاقة مسؤوليّة تكبر في الغرب بسبب غياب المعينات في التربية، فالشّباب في الغرب يقضي أغلب أوقاته مع المجتمع وليس مع الأهل الذين يعيشون ضغوطاً، وعندما يجلسون في البيت، تحصل المشاكل والخلافات، فيما الشباب في الشرق يسمع الأذان كلّ يوم، وهناك زيارات للمساجد، وإحياء للمناسبات الدينيّة، فضلاً عن المحيط العائلي والأصدقاء والأقارب.

الإنسان في الغرب مسؤوليّاته أكبر من مسؤوليّاته في الشّرق
ويضيف سماحته: “الإنسان في الغرب مسؤوليّاته أكبر من مسؤوليّاته في الشّرق، لأنه يحتاج إلى أن يؤمّن البيئة والمجتمع، وأن يفهم ذهنيّة المجتمع الذي يعيش فيه هناك، ففي البلاد العربية والاسلامية، الشباب يقبل من أهله كلّ الأمور الدينية كتحصيل حاصل، أمّا في الغرب، فإن الشباب يحتاج إلى دليل على ما يقدَّم له، لأنه يسمع مضادات لهذه الفكرة في المجتمع الغربي. لذا فإنّ الاهل مطالبون بالشّرح والتّفسير وتقديم الأدلّة الجديدة لأبنائهم، وإن كان البعض في مجتمعاتنا لم يتطرّقوا لها سابقاً لأنها لم تشكّل لهم إشكالية. لذلك فإنّ التدخّل مع الشّباب يجب أن يكون تدخّلاً قبليّاً، قبل وقوع المشكلة وليس بعد وقوعها”.

ماذا لو وقعت المشكلة بين الأهل والأبناء؟

“يجب على الأهل أن يعيدوا بناء العلاقة مع أبنائهم، يرصدوا الفجوات الموجودة فيما بينهم، ويعزّزوا الجانب العاطفيّ معهم، ليقطعوا الطريق على الفرديّة الّتي يؤسّسها الغرب في مجتمعاته بحماية القانون، نحتاج إلى جهد مكثّف لتوطيد أواصر الجانب العاطفي، وإشعار الأبناء بأنّ العلاقة معهم علاقة متينة وليست هامشيّة، ولا تقوم على الأكل والشّراب، بل هي علاقة إنسانيّة تنبع من جهة معيّنة لتحقيق التّوازن في الشخصيّة”.

وإن كان التدخّل مع الأبناء يجب أن يكون قبل وقوع المشكلة، إلا أنّ السيّد جعفر فضل الله يشدّد على أهمية تضافر الجهود، من خلال اتفاق جماعي بين المسلمين في الغرب، لأنّ الفرد لا يستطيع أن يؤدّي المهمة المطلوبة، من أجل احتضان مشاعر الجيل الجديد وأحاسيسه واهتماماته. ويقول: “نحن نحتاج إلى تأسيس مجموعات تمثِّل بيئة حاضنة تغذّي الجيل المسلم بالأمور الّتي تفتقدها المجتمعات الغربيَّة، نحتاج إلى مراكز إسلاميَّة لا تتحرَّك بالأطر التقليديّة، بل بالأدوات والوسائل الحديثة الّتي تنسجم مع ذهنيّة الإنسان المعاصر، بحيث يختلط الترفيه مع التّوجيه غير المباشر، ويراعى نمط التّفكير في هذه البلدان.

نحن نحتاج إلى تأسيس مجموعات تمثّل بيئة حاضنة تغذّي الجيل المسلم في الغرب
ويضيف سماحته: “المهمّ أن يكون لدينا فهم صحيح ومعاصر للإسلام، بحيث يكون المسلم في تلك البلاد قادراً على أن لا يعيش مشكلةً مع تديّنه من جهة، ومجتمعه الذي يعيش فيه من جهة ثانية، لا نستطيع أن ننكر أنّه في بعض الأحيان، بعض الأفكار الدينيّة نفسها تؤسّس لوجود مشكلة، فنحن نلاحظ الكثير من الحركات المتطرّفة فهمت الدّين بطريقة لا تقبل فيها العيش إلا في مجتمع إسلاميّ يعتقد ما يعتقد ويلتزم ما يلتزم، بينما لدينا نظريّات إسلاميّة دينيّة على المستوى الفكري والأخلاقي، وحتى الشّرعي، تجعل الإنسان أكثر راحةً ومرونةً في الاندماج مع الواقع المعاصر، ويكون ملتزماً بمختلف الجوانب الدينيّة. لا نستطيع القول إننا نريد للإنسان الّذي يعيش حالة ضغط في حياته اليوميّة وتفاصيلها، إنّه يجب عليك أن تحافظ على إسلامك وتكون منسجماً مع حالك، وفي الوقت نفسه تعيش إنسانيّتك برحابة صدر، هنا إمّا ندفع الإنسان نحو ترك الدّين تحت ضغط الواقع، وإمّا أن يتقوقع الإنسان ضمن الواقع في قوقعة معيّنة يعزل نفسه عن المجتمع، هذا أمر حسّاس، وهو ليس بأيدي النّاس، وهذا جزء لا يتجزّأ من الخيارات الموجودة على مستوى الفكر الإسلامي والمرجعيّات الإسلاميّة”.

مراعاة المعايير الشّرعيّة وليس المجتمعيّة

وفيما يتعلق بموضوع الشباب والعلاقات مع الجنس الآخر في الغرب، يلفت السيد جعفر فضل الله إلى أن الأهل أمام خيارين؛ إما أن نلجم هذا الأمر ونصل فيه إلى قناعة مع أولادنا بأنّ هذه العلاقات محرَّمة شرعاً، والزواج هو الإطار الشرعي لها، وإما أننا لا نستطيع القيام بذلك بسبب عدم تراكم علاقة سويّة مع أبنائنا، فلا بدّ حينها من أن نخفّف من الضغوط التي لها علاقة بقيود الزواج المجتمعيّ، مشيراً إلى أنّ حدود الزواج الشرعي بسيطة جداً، تتجسد بقبول الطرفين وفق مدّة معيّنة ومهر عبارة عن هديّة، منبّهاً الأهل من مغبة تعقيد عملية الزواج، كالزواج المؤقت مثلاً، إذا لم يكن هناك إمكانية للزواج الدائم، بحيث يتولّى الأهل رعاية الموضوع إذا كان الأفق مسدوداً. ويقول سماحته: “بين الوقوع في الحرام، وبين الزّواج المؤقّت، الّذي يعتبر حلّاً شرعيّاً يحقِّق الانسجام بين الجانب الشّرعيّ المشرَّع في الفقه الجعفريّ، والّذي يلبى حاجات الفرد الّتي يعيش تحت ضغطها في الواقع نتيجة الوضع العام، لا بدّ من إختيار الزّواج المؤقّت، إذ لا يمكن أن نطلب من الشّباب على مقاعد الدّراسة الذي تتوفّر أمامه إمكانيّات متاحة للتّنفيس عن حاجاته الجنسيّة بأقلّ المتطلبات الممكنة، أن لا يقدم على هذه الخطوة إلا من خلال الزواج الذي يكلّفه شراء منزل والاقتراض وما إلى ذلك من أمور. علينا كأهل أن نفكر ماذا تتطلّب البيئة الّتي نعيش فيها في الغرب، ثم نعود إلى قواعدنا الشرعيّة، ونتخلّص من القيود الّتي تنسجم مع مجتمعاتنا في الشّرق، ولا تنسجم مع المجتمعات الغربية.

ويخلص سماحة السيِّد جعفر فضل الله إلى تاكيد ضرورة أن يكون هناك تأسيس لعلاقة مترابطة وقويَّة ومتينة على المستوى العاطفي بشكل كبير جدّاً بين الأهل والأبناء، هذه العلاقة تساعد الأهل في مراحل لاحقة لحلّ المشاكل والتحدّيات الّتي تواجههم.

ويختم سماحته بالتّأكيد أن ليس كلّ الغرب يعزّز النزعة الفرديّة عند الشّباب، بل هناك بيئات محافظة تتميَّز بعلاقاتها الأسريّة القويّة والمتوازنة، بحيث يمثّل الأهل حاجة للأبناء. الأساس أن يعمل الأهل على بناء علاقة متينة مع أولادهم، وأن يتفهّموا حاجاتهم دون التّنازل عن المبادئ، علينا أن نفرّق بين المبادئ وبين الأمور النّاشئة عن العادات والتّقاليد الاجتماعية.
المصدر : موقع بينات