ندوة في جامعة الـ AUST عن الآخر في الخطاب الدّينيّ:
أقامت الجامعة الأميركيّة للعلوم والتكنولوجيا AUST، بالتّعاون مع معهد أديان، النّدوة الثانية في السلسلة الجديدة لمحاضرات هذا العام تحت عنوان “لبنان أرض اللّقاء: حوار الأديان والثقافات”، شارك فيها السيّد جعفر فضل الله، ومديرة معهد أديان الدكتورة نايلة طبارة، والأب جورج مسوح. وأدار هذه النّدوة الّتي تحمل عنوان “الآخر في الخطاب الديني: بين التّكفير والتضامن الروحي”، الإعلامي أنطوان سلامة.
في البداية، توجَّه سماحة الدكتور السيّد جعفر فضل الله بالشّكر الجزيل لجامعة AUST ومعهد أديان على هذا اللّقاء المتنوّع، مؤكِّداً أنَّ ما يجمعنا هو جوهر الدين والإنسان معاً.
ثم تطرّق إلى الصّورة التي نختزنها عن بعضنا البعض، مشيراً إلى العوامل الّتي تساهم وتساعد في تشكيل هذه الصّورة النمطيّة عن الآخر، سواء بفعل التراكمات التاريخيّة أو البيئة التي نعيش فيها وغيرها من العوامل، ولا سيَّما الخطاب الدّينيّ الّذي ساد في لحظة زمنيّة معيّنة، فأصبحت هذه الصّورة المختزنة عن الآخر هي الّتي تتحكَّم بأفعالنا، وليس الذَّاكرة المعيشة بيننا على مستوى الاحتكاك المباشر، الّذي قد يختزن الكثير من الإيجابيّات التي يمكن أن تعدّل في تلك الصّورة..
وتابع سماحته: “نحن بطبيعة الحال ننتج في كلّ لحظة من لحظاتنا صورةً عن الآخر الذي نعيش معه، وتسميته بالآخر جاءت انطلاقاً من أنَّ صورته تختلف عن الصّورة التي رسمناها لأنفسنا، وكلّ منّا يدّعي أنّه يملك صورة الإنسان المثاليّة والحقيقة المطلقة”.
وأضاف: “في لحظة معيَّنة، ونتيجة الظّروف التي ينشأ فيها الإنسان، تتشكَّل هذه الصورة بطريقةٍ تنزع نحو الثّبات، فيصبح لدينا صورة نمطيّة ثابتة عن الآخر، ونكوّن أحكاماً مسبقة عنه. والمجتمع الّذي نعيش فيه، يساهم في تشكيل هذه الصّورة عن الآخر ورسمها وإنتاجها، كواحدةٍ من مفردات ثقافة المجتمع، وربما هويّته المقدَّسة!”.
وتابع: “مشكلتنا أنّنا ننزع نحو تثبيت هذه الصّورة عن الآخر، وغالباً ما تكون سلبيّةً ولا تقبل التّغيير بفعل الزمان والمكان وتبدّل الأوضاع، بينما المطلوب اختبار مدى ثبات هذه الصّورة مع متغيّرات الحياة، وأن لا نعمِّم أخطاء وسلبيّات فردٍ من جماعة معيّنة على كلّ الجماعة. لماذا نطلب من الآخرين أن لا يثبتوا صورنا، بينما نحن كمجتمعات وأديان ومذاهب وأحزاب، نثبت صورة الآخرين؟ هل لأنّنا نعاني ضعفاً في داخل أنفسنا، ولا نريد أن نواجه مواطن القوّة لدى الآخرين، وأن نثير إشكاليّات تجاه ذاتنا؟!”.
وأشار سماحته إلى أننا تختزن جملةً من الصور والأحكام المسبقة والتفاصيل المتشكّلة في أذهاننا عن الآخر، من دون أن نعي وأن نتفكّر أو ننقدها. لذلك، نجد أنفسنا محكومين باتجاهاتنا مع ما يتناسب مع تلك الصّورة المكوّنة عن الآخر ويتوافق معها.
وقال: “يولد الإنسان منتمياً إلى مكان وزمن وعائلة ووطن، فالإنسان عبارة عن انتماءات متعدِّدة، ولكنَّ قيمة هذه الانتماءات هي بمقدار ما تُغني إنسانيّة الإنسان وتفعّل جوهره، الّذي هو جزء لا يتجزّأ من حقيقة وجودنا على هذه الأرض، وإن لم تُغذِّ هذه الانتماءات هذا الجوهر الإنسانيّ في كلّ واحدٍ منا، فستتحوَّل إلى أصنامٍ نعبدها دون الله، لأنها مفرغة من القيم في داخلها”.
وقال: “نحن أعطينا القداسة لانتماءاتنا، وجعلنا أنفسنا ملتصقين بها إلى درجة فقدنا إنسانيّتنا لمصلحة الحزب أو الطائفة أو المذهب، ولكنَّ المشكلة ليست في الانتماء، وعلينا أن نبقي الإنسان محور حركتنا الّذي نخدمه، لا أن نتحوّل إلى أرقامٍ في حسابات الانتماءات، أو في صناديق الاقتراع، أو نهتف مع الهاتفين، أو أن نمشي بمشروعٍ لا نعرف مفرداته وإلى أين سيحملنا، بل علينا أن نبحث دائماً عن المشتركات، وأن نعمل على تعزيزها وتأصيلها”.